الخصائص المعمارية والهندسية للمآذن التونسية

  • Post author:
  • Post last modified:2021-07-22
  • Reading time:4 mins read
You are currently viewing الخصائص المعمارية والهندسية للمآذن التونسية

وأنت تستمع فجر اليوم إلى تكبيرات العيد تنبعث من شرفات مآذن جوامع بلادك، وقد توشحت بالتوجس والأمل، وترنحت بين الجزع والرجاء، انظر ماذا ترى.

1. المآذن والمنارات:

الصومعة هي المصطلح الشائع في اللغة المحكية بالبلاد التونسية للدلالة على المئذنة،

ويبدو أنّ هذه التسمية قد كانت موجودة وبالمعنى نفسه في المعجم المعماري الديني ليس في تونس فحسب وإنما أيضا بكامل المغرب الإسلامي رغم أن أصل التسمية مشرقي،

إذ تشير النصوص إلى أنّ كلمة صومعة كانت تدل على بناء مربّع أقرب إلى الأبراج في ضخامة هيئته وذلك على عكس المنارة التي كانت أصغر حجما وربما أقل ارتفاعا كما أنها كانت مستديرة أو مضلعة على غرار المنارات التي نشاهدها إلى اليوم في الرباطات البحرية كمنار قصر الرباط بسوسة ومنار رباط هرثمة بن أعين بالمنستير.

2. المئذنة عنصر معماري أساسي في جوامع الخطبة:

على هذا الأساس فلعلّ ” المآذن نشأت عن الصوامع أو الأبراج والمنائر ثم امتزج الطرازان معا فظهرت مآذن المساجد الأولى” كما في مئذنة جامع عقبة بن نافع بالقيروان

التي لا تعتبر من الناحية المعمارية مرجعا قياسيا بالنسبة إلى بلاد المغرب فحسب وإنما أيضا بالنسبة إلى العالم الإسلامي برُمّته.

ومهما يكن من أمر فإنّ القطع المربّع سيبقى العنصر المعماري المفتاح في مآذن الطراز المغربي،

ولذلك ظلت أغلب المآذن في البلاد التونسية حتى مجيء العثمانيين ذات نمط موحّدي وهو النمط الذي يسميه مؤرخو الفن المعماري الإسلامي موريسكيا مغربيا.

3. موقع المآذن وأدوارها:

ليس للصومعة موقع معين في مخطط الصحن،

ذلك أنّ هذا الموقع يختلف حسب إمكانات مشاهدتها من مختلف مسالك المدينة وأزقتها ودروبها وأرباضها،

وهذا ما يتوافق مع بعض أدوار المئذنة،

فإلى جانب دورها الوظائفي في إبلاغ نداء الصلاة تكبيرا وشهادة بوحدانية الخالق،

وهو النداء الذي يتجاوز الصفة المكانية لهذا المبنى “لينتشر في أكبر مساحة من الحيّز الروحي للنسيج العمراني”،

تقوم الصومعة بدور رمزي يتمثل في الاستدلال على فضاء الجامع في المدينة ولا يتكرس هذا الدور غالبا إلا بانفتاح الصومعة وإشرافها على فضاء مفتوح كالطريق العام،

فضلا عن ضرورة مشاهدتها عن بعد.

4. أجزاء المئذنة: نظامها الإنشائي ورمزيتها

تتكون الصومعة، كما في جامع الزيتونة بتونس أو الجامع الكبير بتستور أو الجامع الكبير بباجة أو الجامع الكبير بصفاقس،،، من قسمين أساسيين:

– القسم الأول هو البدن، وهو الجزء الحامل لبقية الأجزاء،

وأهميته محورية بالنسبة إلى المئذنة حيث يتحدد طول المئذنة من قصرها بهذا الجزء،

ويتمفصل البدن إلى ثلاثة أجزاء هي القاعدة والجذع ورأس البدن،

وهذا القسم هو أسفل المئذنة.

– القسم الثاني هو المنارة ويتشكل من جزأين هما الشرفات والجوسـق أو الجامور وهو رأس المئذنة ويكون بالطبع في أعلاها.

ترتفع مئذنة في شكل متوازي المستطيلات،

وتكون متوسطة الارتفاع أو سامقة،

مبنى يكاد أن يكون بحجم عمارة حديثة من عدة طوابق.

وعادة ما تقوم على قاعدة مربعة مبنية مثل جدران كامل المعلم بالحجارة.

أما جذع هذا البدن فهو بنفس مقاسات قاعدته ورأسه أضلاعا وارتفاعا،

على أنّ ابتناءها يكون بالآجر الأصم وعلى هيئة متميزة في تخطيطها وتشكيلاتها.

وهذه المواد الإنشائية تتصاعد في كل جانب من جوانب الصومعة عموديا في صورة سلسلتين تتظافران لتأطير طبقات من الحجارة الصغيرة المتراصفة تصاعديا تتناوب فيها بشكل فردي مربعات ومستطيلات يفصل بين الواحد منها والآخر أفقيا صفّان من الآجر،

ويتوج هذا القسم عند انتهائه بحزام من الآجر البارز.

ونظرا إلى ما يتطلبه هذا الجسم من إضاءة وتهوئة تفتتح فيه كُوّتان على هيئة مفتح مفتاح إحداهما شرقية والأخرى قبلية يحيط بكل منهما إطار من الجليز الخزفي المُلوّن،

إنها حلية، على تزهدها في الزخرفة وبساطة فنّها المعماري، رائعة التناسق جميلة التوافق بديعة الإحكام في نسق من التناوب بين البناء بالآجُرّ والبناء بالحَجَر.

يأتي بعد ذلك رأس البدن ويقع بين جذع الصومعة وشرفاتها،

وهو بنفس مواصفات القسم السابق إلا أنه مكسو بالجير الطبيعي ولا يرتفع إلا بضعة أمتار ولا ينفصل عما فوقه من المكونات المعمارية إلا بحزامين من الآجرّ البارز القائم.

وعند نقطة تقاطع مستقيمات رأس البدن تنفتح شرفات الأذان التي تتوزع توائم وفقا للجهات الأربع، وهذه الشرفات عبارة عن فتحات حدوية ثنائية العقود يجمع بين كل اثنين منها عمود صغير الحجم يقتعده تاج عثماني مُصغّر،

تتمثل وظيفتها في إيصال نداء الصلاة إذ يتوزع عبر هذه الفتحات أو النوافذ إلى أقصى مكان.

5. الزخرفة الهندسية ودلالاتها:

تبلغ أعلى الصومعة فتدرك القسم المصطلح على تسميته بالمنارة وهو متوازي سطوح منتظم قائم يعلوه هرم قرميدي مربّع،

شرفة تفتح على الجهات الأربع الموافقة لأضلع القطع المربّع،

عواليها مشرفة على هيئة مقطع أهرام مدرّجة وحدات زخرفية من الآجر متراصة كأنها إطار أعلى أشبه ما يكون بتلك العناصر الزخرفية التي تُحلّىّ بها تيجان الملوك،

تتوالى وتتجاور على نمط واحد على طول واجهات الشرفة إنها الشرفات أو عرائس السماء التي نشاهدها في أغلب مآذن الطراز الطراز الأندلسي المغربي وهي ترمز بشكلها المتقابل القائم على التناوب بين التصاعد والتنازل إلى التحام الأرض بالسماء واتصال الجامع بأهداب العرش الإلهي.

وعند منتهى هذا البرج ينتصب الجوسق أو الجامور،

وهو جسم متوازي المستطيلات، في أعلاه قبة هرمية مكسوة بالقرميد الأخضر تنتصب فوقها ثلاث كُرات نحاسية أو رمّانات في ترصيف متصاعد من الأكبر إلى الأصغر، تتوّجها راية معدنية يقع فوقها مباشرة هلال يعانق السماء.

تعبر الرمانات عن الأفلاك والكواكب أمّا الهلال فهو رمز للإمبراطورية العثمانية وشعارها وهو مع الراية من العناصر الزخرفية التي أضافها الأتراك وعمّموها على جميع المآذن التي كانت موجودة بالبلاد قبل الانتشار العثماني.

6. التصاعد اللولبي في سلّم المآذن ورمزيته:

يتم المرور إلى المئذنة عبر باب صغير يفضي إلى ردهة يرتفع منها سلّم حلزوني متقن البناء ينتهي عند شُرفات الأذان ثم يستأنف حركته التصاعدية إلى أن يبلغ الجوسق.

ويتكون هذا السلّم من دروج عديدة يكتنفها حائط إسطواني يدور معها في حركة لولبية حيث تدور.

هذه الأدراج اللولبية الداخلية تغني روحانية هذا العنصر المعماري ذلك أنها في حركتها التصاعدية إلى ذروة المئذنة حيث القبة رمز السماء أوفى مثال للتعبير التصاعدي باتجاه ملكوت الفضاء والتعالي عن كثافة المادة إلى رحاب الملأ الأعلى.

بل إننا لا نجازف حين نذهب إلى أنّ مسار المرتقي في هذا البناء التصاعدي، بما هو مسار لولبيّ، يذكر بمسيرة الطواف حول الكعبة مع اختلاف في تعظيم الفضاء من الخارج إلى الداخل،

وإذا كان في الطواف رسم ضمني لدائرة، وفي هذه الدائرة تعبير عن الكمال المطلق، فالظاهر أنّ في مسار التصاعد اللولبي تكريسا للمقاصد ذاتها.

فالمئذنة مكوّن معماري يشق عنان الفضاء وكأنه “يريد أن يفتح له في السماء بابا”.

إنها على تطاولها وسموقها وشموخها وحضورها المهيب لا تطلب التوقف عند نقطة نهاية “ومن أعلى ذروتها تتأمل العالم الخارجي وقد انتشر عند أقدامها إنها عقدة الوصل بين الفضاء الداخلي حيث يقع تعظيم شعائر الدين والفضاء الخارجي حيث يدوّي صوت المؤذن بالنداء إلى الصلاة.

وبهذا تصبح المئذنة بهيئتها الرمزية تجسيما ماديا لهمزة وصل بين عالمين وبين فضاءين”.

الدكتور: زهير بن يوسف

IMG 7188
تستور: منارة الجامع الكبير؛ 1630.
grande mosquee de Beja almajalah.com
باجة: منارة الجامع الكبير؛ طراز موريسكي- مغربي.